المكرمية فن حرفي دارج في أعمال الديكور المختلفة

شهدت الحِرف التقليدية في السنوات الأخيرة عودة لافتة، خاصة بعدما أصبحت جزءًا أساسيًا من ديكور المنزل العصري، وعلى رأسها حرفة المكرمية. وتُعد هذه الحرفة من أبرز أشكال الفن اليدوي لما تتميز به من تنوع في العقد والتصاميم، ما يمنحها قدرة استثنائية على إضفاء لمسة فريدة ودافئة على المساحات الداخلية.إن ديكور المنزل لم يعد يقتصر على ترتيب الأثاث أو اختيار ألوان الجدران فحسب، بل أصبح وسيلة للتعبير عن الذوق الشخصي وأسلوب الحياة. فتنسيق المساحة بات اليوم يتطلب دمج الوظيفة مع الجمال، بحيث تعكس البيئة المحيطة شخصية ساكنيها وتوفر لهم الراحة.

وفي ظل الاتجاهات الحديثة في عالم التصميم الداخلي، برز فن المكرمية مجددًا كخيار مثالي لمن يسعون إلى دمج الأصالة بالحس الفني المعاصر.

حول هذا الموضوع، كان لـ الورشة ستور لقاء خاص مع المهندسة الداخلية سارة هنداوي، مؤسسة مشغل KabKoub، والتي بدأت رحلتها مع فن المكرمية في عام 2020.

تاريخ المكرمية

المكرميّة نوع من أنواع الأشغالِ الفنية اليدوية

توضح المهندسة سارة هنداوي أن المكرمية هي أحد أشكال الفنون اليدوية، تعتمد على تشكيل الخيوط وابتكار العُقَد لتصميم أنماط زخرفية متنوعة. ويعود أصل هذا الفن العريق إلى قرون مضت، تحديدًا إلى العصور الوسطى، حيث يُعتقد أن البحارة المغاربة من شمال إفريقيا كانوا أول من مارس هذا الفن أثناء رحلاتهم الطويلة عبر البحر. فقد كانوا يستخدمون الحبال لابتكار قطع فنية يدوية بهدف التسلية خلال السفر، مما ساهم في نقل المكرمية إلى أوروبا، بدايةً من إسبانيا وفرنسا في القرن الخامس عشر، ثم إلى إيطاليا في القرن السادس عشر.

خلال العصر الفيكتوري، ازدهر فن المكرمية بشكل كبير، حيث اتخذته النساء كهواية مفضلة، وزيّنّ به منازلهن بقطع أنيقة صنعت يدويًا، الأمر الذي ساهم في ترسيخه كجزء من ديكور المنزل الكلاسيكي آنذاك. أما في الولايات المتحدة، فقد عرف هذا الفن ذروته خلال سبعينيات القرن الماضي، حين دخل عالم الأزياء وتصاميم الديكور الداخلي بقوة.

ومع دخول القرن الحادي والعشرين، عاد فن المكرمية إلى الواجهة مدفوعًا بانتشار الأسلوب البوهيمي الجديد، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من صيحات ديكور المنزل الحديثة، حيث يجمع بين البساطة، والدفء، واللمسة الحرفية التي تضيف شخصية وروحًا فنية إلى أي مساحة.

قطع زينة مشغولة من المكرمية

عقد المكرمية

تؤكد المهندسة سارة هنداوي أن السكن لا يقتصر على مجرد الإقامة في شقّة أو منزل، بل هو تجربة متكاملة تعكس أسلوب الحياة، وتُترجم المشاعر والذوق الشخصي إلى بيئة دافئة ومرحّبة. وتضيف: “إنه أكثر من جدران وأثاث… إنه أسلوب حياة”.

ومن هذا المنطلق، تبرز المكرمية كخيار مثالي لمن يسعون إلى إضافة لمسة شخصية وأصيلة على ديكور المنزل، إذ توفر هذه المشغولات اليدوية جوًا من الدفء والجاذبية، وتستجيب لرغبة متزايدة لدى الكثيرين في اقتناء قطع فريدة تحمل طابعًا يدويًا مميزًا.يمتاز فن المكرمية بتنوع كبير في تقنياته، حيث يوجد العشرات من أنواع العُقَد، التي تختلف من حيث البساطة أو التعقيد، ومنها العقد المربعة، والعقد العلوية، والحلزونية، والقرنفل، وعقد التجميع، وعقد “رأس لارك”، وغيرها الكثير، مما يفتح المجال لإبداع لا حدود له في التصميم.

وتستخدم المكرمية في إنتاج مجموعة واسعة من منتجات ديكور المنزل، مثل:

• حوامل النباتات والمجوهرات
• أغطية النوافذ
• تعليقات الحائط
• المصابيح
• الوسائد والمرايا
• شراشف الطاولات والرفوف
• أسطح الطاولات
• المقاعد بمختلف أحجامها
• بالإضافة إلى بعض قطع الملابس والإكسسوارات

أما أدوات العمل في هذا الفن، فتشمل مجموعة متنوعة من الخامات، سواء كانت طبيعية أو صناعية، مثل:

• الحبال الملونة بأقطار تتراوح بين 3 و6 ملم
• خيوط سميكة ورفيعة
• خرز للزينة

ويعدّ اللون البيج والبني والأبيض المطفي والذهبي من أبرز الألوان المستخدمة، إلى جانب الأزرق، الوردي، الأخضر الزيتوني، ولون الفحم، وهي ألوان تضيف إحساسًا بالراحة والانسجام إلى المساحة.

المكرمية في أعمال الديكور

مصابيح مشغولة من فنّ المكرميّة

تشير المهندسة سارة هنداوي إلى أن المكرمية أصبحت تُستخدم على نطاق واسع في تصميم قطع ديكور متنوعة، تتناسب مع مختلف الأذواق، وتضيف لمسة أنيقة وبوهيمية مثالية إلى المساحة. وتوضح أن هذا الفن يمكن توظيفه بأسلوب تقليدي أو عصري، مما يجعله خيارًا مرنًا يناسب جميع أنماط ديكور المنزل.

وتتميز المصنوعات اليدوية المصممة بالمكرمية بقدرتها على الاندماج في كل ركن من أركان البيت، بدءًا من السقف والجدران، مرورًا بالأرائك، ووصولًا إلى السرير. ومن الطرق الجذابة لتزيين المنزل باستخدام هذا الفن، استبدال اللوحات التقليدية بجداريات مكرمية، يمكن تعليقها فوق السرير في غرف النوم، أو على جدران غرفة المعيشة، أو حتى عند مدخل المنزل، حيث تترك انطباعًا فنيًا دافئًا من اللحظة الأولى.

وتتميّز هذه القطع بإمكانية تخصيصها من حيث الحجم، اللون، والشكل، لتتناسب مع الذوق الشخصي وأسلوب الديكور العام للمكان، ما يجعلها من أكثر العناصر طلبًا في التصاميم الداخلية الحديثة.

النبات الأخضر تحمله قطع من المكرمية

من أجمل استخدامات فن المكرمية في ديكور المنزل، تلك القطع التي تحتضن النباتات الخضراء، إذ تضيف الحياة والبهجة إلى أي زاوية توضع فيها، سواء كانت في غرفة المعيشة أو النوم. كما أن المرايا المؤطّرة بعقد المكرمية – سواء منفردة أو مجموعة – تُعدّ إضافة فنية راقية، يمكن تعليقها على الجدران لإبراز المساحة، أو وضعها فوق المغسلة في حمّام الضيوف لخلق مظهر استثنائي وغير تقليدي.

ولإضفاء لمسة متجددة وفريدة على أجواء المنزل، توصي المهندسة سارة باستخدام شراشف المكرمية لتزيين طاولات الطعام والطاولات الجانبية الصغيرة، بالإضافة إلى أغلفة الوسائد الملقاة على الأرائك أو الأسرة، مع تنويع الألوان والمقاسات بما ينعكس على أناقة المكان.

أما بالنسبة للرفوف، فتُصمم باستخدام الحبال الملونة مع دمجها بالخشب، لتعليقها على الجدران بطريقة تدمج ما بين العملية والجمال، حيث يمكن تزيينها بالإكسسوارات أو النباتات الصغيرة، ما يضفي لمسة طبيعية وحيوية على المساحة.

وتُعيد المكرمية أيضًا إحياء الكراسي الصغيرة والمقاعد الكلاسيكية بروح عصرية، لتصبح عناصر ديكور تضيف شخصية إلى المكان، سواء في غرفة الجلوس، حول طاولة الطعام، أو حتى في الحديقة كمقاعد إضافية أنيقة وعملية.

نموذج عن إضافة المكرمية إلى الحائط

من بين أبرز القطع التي تشهد رواجًا كبيرًا هذا العام في عالم ديكور المنزل، تبرز المصابيح المصمّمة بفن المكرمية، والتي أصبحت من الاتجاهات الأكثر طلبًا لما تضيفه من طابع دافئ ومميز. وتنوّعت هذه المصابيح بين التصاميم التقليدية التي تُضفي لمسة بوهيمية ساحرة، والتصاميم العصرية التي تتماشى مع مختلف الأساليب الديكورية الحديثة، حيث تدمج أحيانًا مع خامات مثل الحديد لتعزيز قوتها وشكلها البصري.

تُستخدم مصابيح المكرمية المصنوعة بالحبال في عدة مواضع داخل المنزل: منها ما يُعلّق على الأسقف، أو يُثبت على الجدران، أو يُوضع على الأرض، وجميعها تُضفي أجواء مريحة عبر الانعكاس الساحر للضوء على الخيوط، مما يخلق تأثيرًا بصريًا ناعمًا على الجدران المحيطة.

أما في مجال ديكور الجدران، فتشير المهندسة سارة إلى أن المكرمية يمكن أن تُضاف إلى أي نوع من الجدران – سواء كانت مطلية، خشبية، أو حجرية – مع مراعاة تنسيق الألوان والأشكال.
فمثلًا، إذا كان الجدار مطليًا بلون فاتح كالأبيض، يمكن اختيار جداريّة مكرمية تقليدية ذات عقد بارزة وألوان متعددة. أما الجدران الخشبية أو الحجرية، فتناسبها الجداريات ذات الخيوط الناعمة بلون واحد، وبتفاصيل أقل، مما يحافظ على التوازن البصري ويُبرز جمالية الملمس الطبيعي للجدار.