أسلوب الباروك.. كيف استعنا به في ديكور منازلنا؟

صحيح أن حقبة الباروك قد انتهت منذ قرون، إلا أن تأثيرها لا يزال حاضراً بقوة في حياتنا اليومية. فقد تركت الباروك بصمتها الواضحة على العديد من المجالات مثل الفن، والموسيقى، والموضة، والهندسة الداخلية، وما زالت تهيمن على أسلوب حياتنا بطريقة أو بأخرى. اليوم، يتم دمج عناصر من الباروك مع تأثيرات من فترات رومانسية، ونيوكلاسيكية، وعصرية، ليظهر لنا مزيج جديد ومتطور من هذه الأساليب، مما يعيد إحياء موضة الباروك في حياتنا بشكل مختلف. التفاصيل الكاملة تجدها في التحقيق التالي.

الباروك هو فن نشأ في ظل الثورات الصناعية التي سعت إلى تكريم قدرة الإنسان على الابتكار واختراع تقنيات غيرت أسلوب حياته. ومع هذا التغيير الكبير في الفكر والمجتمع، كان من الطبيعي أن يظهر فن يعكس هذا التحول، ويواكب هذا العصر من التفكر والتطور. انعكس هذا الفن على الموسيقى والموضة بشكل واضح، حيث ارتبطت آلات موسيقية مثل الكمان (Violin) وأعمال أوبرا مع معزوفات سوناتا المبهرة بهذا الطابع الفني الفريد.

المصممة كوكو شانيل Coco Chanel في شقتها الباريسية، عام 1971 (مصدر الصورة: Cecil Beaton/Condé Nast via Getty Images)

لقد تأثر فن الباروك بالكثير من الحضارات المختلفة، مما أدى إلى ظهور أنماط متنوعة، مثل الباروك الإسباني، الفرنسي، والبريطاني، وصولًا إلى تأثيراته في عالم الموضة والهندسة الداخلية. حيث تم التركيز على استخدام الأقمشة الفاخرة المزخرفة، التي تتميز بألوان وطبعات قوية، مع تنسيق رباعي لوني يضم الذهبي، الأسود، الأبيض، والأصفر الشعاعي، وهي ألوان حيوية تعيد إحياء مفهومي العظمة والسلطة. كانت هذه الألوان تهدف إلى خلق تناغم وتنظيم في عالم متغير، يعكس تطلعات الإنسان نحو التميز والسيطرة.

لكن، كيف وصل هذا الفن إلينا؟ وكيف استطعنا الاستفادة منه في تصميم منازلنا؟ الباروك اليوم لا يزال حياً في كثير من جوانب حياتنا، فهو يضيف لمسات فاخرة وجذابة لأماكننا، من خلال استخدام التفاصيل المعمارية المتقنة، والأثاث المزخرف، والديكورات التي تعكس القوة والثراء، مما يعيد لنا ارتباطًا بتاريخ طويل من الفن والترف.

تنوع الأشكال

الباروك هو تيار فني بدأ في القرن الـ16 في إيطاليا واستمر حتى منتصف القرن الـ18، وهو يسلط الضوء على الفن بأسلوب مبالغ فيه وتقنيات مبهرة. أصل الكلمة “باروكو” يعود إلى اللغة البرتغالية، وتعني التصميم الغريب لحجر اللؤلؤ. وفي عالم الباروك، من المهم التمييز بين مصطلح “هاي باروك”، الذي يشير إلى هندسة المباني والأعمدة المرتبطة بفكرة العظمة، إلى جانب الفن المبهر والمزخرف الذي يخلق حركة وديناميكية.

فن الباروك يركز على الزخرفة، وبناء القبب والأقواس المنحنية، ولا يزال يؤثر في الفن الحديث والهندسة الداخلية في العصر الحالي. وما يجهله البعض هو أن الباروك وُلِد نتيجة لاختمار أفكار ثورية ودينية، ويمثل تمردًا على البساطة التي سادت في عصر النهضة.

لطالما ارتبط الباروك بالمؤثرات الدرامية والفن المسرحي، حيث يُضيء على اللحظة التي تسبق الحدث، ليُظهر تفاصيله بالكامل عند وقوعه. هدفه هو خلق الترقب وزيادة الحماس عبر استخدام ألوان عميقة، مؤثرات ضوئية وظلال ترافق الضوء مع خلفية داكنة. هذا التلاعب بين الظل والضوء يُعرف اليوم بـ”Chiaroscuro”، ويعزز التأثير الدرامي سواء في الهندسة المعمارية أو في تصميم الملابس بأسلوب الباروك الدرامي، الذي يهدف إلى تنفيذ فن واقعي بكل تفاصيله المتقنة.

موضة فاخرة

عندما وصل الباروك إلى عالم الموضة، أحدث ثورة في تصاميم الملابس، إذ انبهرت النساء بهذا الفن الذي يتميز بالقماش الفاخر، والتصاميم المبهرة، والتطريز الغني. كان للقصّات الواسعة والمنفوخة والإكسسوارات الضخمة دور كبير في تجسيد الثراء والقوة التي كانت سائدة في تلك الحقبة. كما كانت الموضة الباروكية تترجم الواقع الاجتماعي والثقافي الذي عاشته المجتمعات في تلك الفترة، مع التركيز على الرفاهية والمكانة الاجتماعية العالية.

قد طوّرت العديد من الدور العالمية أسلوب الباروك في تصاميمها، ومن أبرز الرواد في هذا المجال كان المصمم أليساندرو ميشيل، الذي نفّذ لصالح دار غوتشي Gucci أروع التصاميم المطرّزة والمطبّعة برسوم ملوّنة وقوية، مما يعكس عظمة تلك الحقبة.

تفرّعت العديد من الأوجه التي أخذها الباروك في عالم الموضة، ومن أبرزها:

• الـ “هاي باروك”: الذي يركز على التصاميم الفنية المنحوتة على شكل تماثيل، كما يظهر في مجموعة فيرساتشي Versace التي تتميز بتزيين الإكسسوارات برأس ميدوزا.
• الـ “نيوباروك” (NeoBaroque): هذا الأسلوب يحيي تصاميم الماضي ولكن بأسلوب عصري، حيث يتضمن القصّات الدائرية والتناقضات الصارخة في دمج الألوان في زي واحد.

تُظهر هذه التحولات في الموضة كيف أن الباروك لا يزال يحتفظ بتأثيره العميق في العالم المعاصر، مع دمج عناصره الكلاسيكية بأساليب عصرية مبتكرة.

كيف ندمجِ أسلوبِ الباروك في الديكور؟

بالفعل، تركت الهندسة الداخلية بأسلوب الباروك أثراً عميقاً في المباني والتصاميم المنزلية التي سادت لاحقاً مثل «الروكوكو» و«النيوكلاسيك»، حيث قام فن الباروك بتأسيس قواعد زخرفية وفنية لا تزال تُستخدم إلى اليوم في تصميم الأماكن. لقد أضاف الباروك سمة من العظمة والدراما من خلال استخدام الزخارف المعقدة، والألوان الجريئة، والتفاصيل الدقيقة، مما جعل من هذه التصاميم عناصر محورية في العمارة والتصميم الداخلي.

حالياً، نشهد ما يسمى بـ Baroque Infusion، وهو مزيج فني يدمج بين أسلوب الباروك وفنون أخرى في الديكور المنزلي. هذا الدمج يتيح للأشخاص أن يحتفظوا بروعة الباروك مع لمسات عصرية. بمعنى آخر، يتم استخدام عناصر الباروك كزخارف أو تفاصيل مميزة داخل تصميمات حديثة، مما يخلق توازناً بين الفخامة والتفاصيل الكلاسيكية والحداثة.